1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كيف يُغذي الصراع في الشرق الأوسط معاداة السامية في ألمانيا

حسن زنيند
١٩ مايو ٢٠٢١

هتافات معادية للسامية، حرق أعلام إسرائيلية، اعتداء على معابد يهودية، مشاهد رافقت مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين هزت ألمانيا وأدت إلى موجة من ردود فعل منددة بدأت من المستشارة وشملت كامل الأطياف السياسية والإعلامية.

https://p.dw.com/p/3tZyk
إذا كانت القوانين الألمانية تضمن حق التظاهر السلمي وحرية التعبير، فإنها تحظر أعمال معاداة السامية كتلك التي شهدتها تلك المظاهرات من دعوات لكراهية اليهود وحرق أعلام الدولة العبرية، إضافة إلى اعتداءات على المعابد اليهودية.
هل يمثل وسط المهاجرين العرب والمسلمين في ألمانيا مرتعا خصبا لمعاداة السامية؟صورة من: picture alliance/dpa/M. Hitij

تعالت الدعوات إلى تشديد قوانين معاداة السامية، إثر أعمال العنف التي صاحبت الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في عديد المدن الألمانية في سياق ارتدادات التصعيد العسكري بين إسرائيل وحركة حماس. وتظاهر آلاف الأشخاص في الشوارع الألمانية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي للتعبير بشكل أساسي عن تضامنهم مع الفلسطينيين. وكان هناك سبب آخر للتظاهر ويتعلق بذكرى "النكبة" (التي يُحيي فيها الفلسطينيون ذكرى طردهم من أراضيهم التي توافق 15 مايو/ أيار)، فيما يحتفل فيها الإسرائيليون بذكرى تأسيس دولتهم عام 1948. وفي تعليقها على أعمال الكراهية التي رافقت تلك الاحتجاجات، كتبت صحيفة "باديشه تاغبلات" (14 أيار/ مايو 2021) "إذا تم تحميل اليهود في ألمانيا مسؤولية ما يحدث بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن الكلام لا يكفي كرد فعل. هناك تفسيرات كثيرة للعنف الجاري في الشرق الأوسط، لكنه عنف غير مبرر، فمعظم الناس هناك يريدون العيش في سلام. لا يوجد مبرر لإغلاق المعابد اليهودية في ألمانيا بسبب انتقاد سياسة الحكومة الإسرائيلية، أو مبررا للتحريض ضد اليهود وحرق أعلام اسرائيل امام المعابد ".

وإذا كانت القوانين الألمانية تضمن حق التظاهر السلمي وحرية التعبير، فإنها تحظر أعمال معاداة السامية كتلك التي شهدتها تلك المظاهرات من دعوات لكراهية اليهود وحرق أعلام الدولة العبرية، إضافة إلى اعتداءات على المعابد اليهودية. ويكتسي موضوع معاداة السامية حساسية بالغة في بلد كألمانيا بحكم التزام الدولة الألمانية بـ "المسؤولية التاريخية الخاصة" اتجاه أمن دولة إسرائيل كما أقر ذلك المستشار الألماني كونراد أديناور في ستينيات القرن الماضي، لأسباب تاريخية تعود جذورها للمحرقة اليهودية (الهولوكوست). وذهبت المستشارة أنغيلا ميركل أبعد من ذلك حينما وصفت العلاقة الخاصة بين ألمانيا وإسرائيل بـ Staatsräson (مصلحة الدولة العليا) أو (مبرر وجود الدولة) عام 2008 في خطاب ألقته أمام الكنيست الإسرائيلي بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس الدولة العبرية. وقالت ميركل حينها "هذه المسؤولية التاريخية لألمانيا، جزء من مبرر وجود بلدي. وهذا يعني أنه بالنسبة لي بصفتي كمستشارة لألمانيا، فإن أمن إسرائيل غير قابل للتفاوض على الإطلاق".

 

ميركل تعد بالحزم في مواجهة الكراهية ومعاداة السامية

وجددت المستشارة ميركل في (17 أيار/ مايو)، في اتصال هاتفي برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو "تضامنها" مع الدولة العبرية، مبدية أملها في أن تتوقف أعمال العنف "في أسرع وقت". وإزاء تجاوزات المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في ألمانيا، أكدت ميركل لنتانياهو أن حكومتها ستواصل "اتخاذ تدابير حازمة ضد المتظاهرين الذين ينشرون الكراهية ومعاداة السامية في ألمانيا".

رافائيل هيرليش يصور الحياة اليهودية في ألمانيا

صحيفة "شتوتغارتر تسايتونغ" (14 أيار/ مايو) كتبت أن "السردية القائمة على كونالدولة اليهودية المهيمنة هي من تقمع المسلمين في دائرة نفوذها، سردية يتم توظيفها دوليا، من تركيا إلى المنظمات اليسارية الألمانية، والتي، بخلطها مع معاداة السامية، تغذي غضب الشارع. سردية تغض النظر في الوقت نفسه عن الحاجة إلى حماية اسرائيل وفشل الفلسطينيين في إعطاء أنفسهم أي أفق آخر غير دور الضحية".

 

تنديدات واسعة من كامل الطيف السياسي الألماني

فولفغانغ شويبله رئيس البرلمان الألماني "بوندستاغ " أوضح أن من حق الناس انتقاد السياسات الإسرائيلية وقد يحتجون عليها. غير أنه استطرد موضحا لصحيفة "بيلد" الشعبية الواسعة الانتشار أنه "لا يوجد مبرر لمعاداة السامية والكراهية والعنف". من جهته أدان وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر بشدة الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل وقال إن ألمانيا لن تتسامح مع حرق الأعلام الإسرائيلية أو الاعتداء على المؤسسات اليهودية على الأراضي الألمانية. وفي ولاية براندنبورغ جددت الكتلة البرلمانية اليسارية مطالبتها بإدراج بند معاد للسامية في دستور الولاية. وقال زعيم الكتلة سيباستيان فالتر (18 أيار/ مايو) "لا نريد أن يخاف اليهود من العيش هنا". من غير المقبول إطلاقا حرق الأعلام الإسرائيلية أو مهاجمة المقابر اليهودية. وشدد فالتر "هذا ليس احتجاجا مشروعا، هذه جرائم يجب مكافحتها". كما دافع عن حق دولة إسرائيل في الوجود، والذي لا ينبغي التشكيك فيه "بالنسبة لنا من الواضح تمامًا أن دولة إسرائيل هي الرد على المحرقة".

وذهب الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري في نفس الاتجاه وطلب من الولايات الألمانية بحث حظر المظاهرات في المستقبل التي قد يرافقها أعمال معادية للسامية. وقال رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، ألكسندر دوبرينت، (18 أيار/ مايو) "عندما يكون من المتوقع حدوث معاداة السامية، وحرق أعلام، وترديد شعارات كراهية، فإن هذه بوضوح جرائم جنائية متوقعة تبرر حظر هذه المظاهرات". وأضاف أنه إذا كان المتورطون يحملون الجنسية الألمانية أيضا، فيجب أن يكون السؤال هو كيف أمكنهم الحصول عليها في الأساس.

قلق المسؤولين الألمان شمل جميع الأطياف السياسية، فقد أكد رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، رولف موتسينيش، في تصريحات لإذاعة ألمانيا (دويتشلاند فونك) أنه "لا يحق لأحد إبداء رد فعل يتضمن شعارات أو استخداما للعنف ضد معابد يهودية". وذكر موتسينيش أنه على الرغم من أنه لا يمكن القول إن اندماج الأقليات العربية قد فشل، فإن أولئك الذين لهم استعداد للعنف، لا سيما في هذا الوضع الساخن، هم الذين يهيمنون على المشهد "وهذا أمر مرير". وفي مقابلة مع صحيفة بيلد الشعبية، اقترح سفين شولتز، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي بولاية ساكسونيا-أنهالت عقد قمة للشرطة وهيئة حماية الدستورية وسلطات الهجرة في أقرب وقت ممكن. صحيفة "كولنر شتات أنزيغر" الصادرة في كولونيا (17 أيار/ مايو) ذهبت إلى القول "يجب التدقيق في الحياة اليومية للمدارس، الهجمات اللفظية في فترة الاستراحة التي مدتها خمس دقائق، أو الانحراف الذي قد يشهده درس التاريخ. ويتعين بالخصوص على المعلمين أنفسهم أن يتعلموا كيفية الرد المناسب على معاداة السامية التي انفجرت فجأة. يجب أن يصبح ذلك جزء من تكوينهم. إن تكوينا من هذا النوع سوف يجعل المعلمين قادرين ليس فقط على التعامل بشكل أفضل مع كراهية اليهود، ولكن مع جميع أنواع التمييز".

بعد 76 عاما على الهولوكوست.. كيف هي حياة اليهود بألمانيا؟

السفير الإسرائيلي في ألمانيا يدق ناقوس الخطر

اعتبر السفير الإسرائيلي في ألمانيا، جيريمي إسخاروف، الأحداث الأخيرة المعادية للسامية تهديدا للمجتمع الألماني. وأضاف في تصريحات لصحيفة "أوغسبورغر ألغماينه" الألمانية (18 أيار/ مايو) أن "الجالية اليهودية في ألمانيا لا علاقة لها بالأزمة في غزة... اندلاع العنف هذا ليس فقط شيئا يهدد اليهود وحدهم، بل إنه يهدد أيضا الهوية الأخلاقية لألمانيا كمجتمع متسامح". وفي حوار مع DW في (17 أيار/ مايو) أوضح السفير إسخاروف "أن تكون هناك مظاهرة سلمية شيء، لكن أن يكون لديك مثل هذه الأعمال شيء آخر (..) المجتمع اليهودي في ألمانيا لا علاقة له بالأزمة الجارية في غزة، وهم يستحقون العيش مثل أي مجتمع آخر في ألمانيا، بسلام وأمن".

كما أعرب المؤتمر الحاخامي الأوروبي عن قلقه بشأن أمن الجالية اليهودية في ألمانيا. وأوضح غادي غرونيتش الأمين العام للمؤتمر في تصريح لـ"تسيوريخه تسايتونغ" (18 أيار/ مايو) "إن الوضع الأمني ​​لليهود الذين يعيشون في ألمانيا أسوأ من ذي قبل. من الصعب القول كيف سيتطور الوضع. يمكن أن تحدث مفاجآت من كل الاتجاهات". وأضاف غرونيتش أن معاداة السامية موضوع استخفاف من قبل المهاجرين. واشتكى من أن الصراع في الشرق الأوسط "بكل سردياته الكاذبة" يجعل "قطاعات كبيرة من الجالية المسلمة" رهائن على المستوى الذهني. والآن تسلل هذا الصراع أيضًا إلى الأراضي الأوروبية. وأضاف أن ألمانيا قبلت مسؤولية حماية حياة اليهود. ولكن لا تزال هناك "حاجة كبيرة للغاية لاتخاذ تدابير قانونية ووقائية".

من جهتها، انتقدت الرابطة الألمانية للمدن بشدة التجاوزات المعادية للسامية. وقال رئيس مجلس المدينة بوركارد يونغ لصحف مجموعة فونك الإعلامية (18 أبريل) "الهجمات على اليهود أو المعابد اليهودية أو الشعارات المعادية للسامية في المظاهرات هي هجوم على مجتمعنا المفتوح". لا يحق لأحد التعبير عن كراهية اليهود أو التشكيك في حق إسرائيل في الوجود. وأضاف "بالطبع، يُسمح بانتقاد السياسة الإسرائيلية في بلدنا. لكن الكراهية ومعاداة السامية غير مقبولة على الإطلاق". ودعا المتظاهرين حول الصراع في الشرق الأوسط إلى "التحلي بالحكمة" وعدم المشاركة في "الدعاية" ضد اليهود. وبهذا الصدد اعتبرت صحيفة "أوغسبورغر ألغماينه" (17 مايو) أنه "في النهاية، على كل واحد منا تحمل مسؤوليته. لا ينبغي لأحد أن ينتظر "انتفاضة المحترمين"، التي تحدث عنها المستشار غيرهارد شرودر ذات مرة، وأصر حينها على ضرورة المبادرة الذاتية، بالكلام، وإذا لزم الأمر اللجوء إلى القضاء، في حال الترويج لعبارات معادية للسامية بأي شكل من الأشكال".

ضرورة بلورة "معيار أوروبي" لمعاداة السامية

فليكس كلاين، مفوض الحكومة لمعاداة السامية، دعا إلى اتخاذ إجراءات سريعة بمجرد تورط شخص ما في نشاط معاد للسامية. وأوضح في تصريح لصحيفة "إف.إيه.زد" (17 أيار/ مايو) "يجب وضع النيابة العامة والشرطة في وضع يسمح لهما بالتعرف على مرتكبي أفعال معاداة السامية ومعاقبتهم بسرعة وبشكل أفضل". وقال إن هناك حاجة إلى "معيار أوروبي" لتحديد ومعاقبة معاداة السامية. وفي نفس السياق، أكد الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم باول زيمياك أن الكراهية المعادية للسامية ليست رأيا، ولكنها عمل إجرامي. وأضف في تصريح لموقع "ذا بايونير" "إننا نشهد مسيرات معادية للسامية وكراهية مثيرة للاشمئزاز لليهود هذه الأيام، مما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات أكثر حسماً ضد معاداة السامية".

"صحيفة شفيبيشه تسايتونغ" (17 أيار/ مايو) رصدت بدورها "تظاهر الآلاف ضد إسرائيل ومن أجل فلسطين في المدن الألمانية، لكن البعض ذهب إلى المعابد اليهودية حيث يصلي أناس ليسوا في الغالب مواطنين إسرائيليين، ناهيك عن دعمهم للحكومة الإسرائيلية. هتف المتظاهرون لحركة حماس الإرهابية وبزوال إسرائيل. السماح لأناس تقوم دولهم على معاداة السامية، بالدخول إلى ألمانيا جعل حياة اليهود في هذه البلاد أقل أمانا، كما ظهر مؤخرًا من خلال محاولة اغتيال في الكنيس اليهودي في هاله. بالطبع، لا يمثل هؤلاء المتظاهرون إلا جزء ضئيلا من جاليتهم، لكن قلة من الناس يمكن أن تسبب أضرارًا كبيرة. لقد تسببت في ضرر لليهود والمسلمين الراغبين في الاندماج في المجتمع الألماني".

 

ألمانيا تسامحت مع معاداة السامية في أوساط المهاجرين؟

هل يمثل وسط المهاجرين العرب والمسلمين في ألمانيا مرتعا خصبا لمعاداة السامية؟ سؤال يتردد باستمرار خصوصا على إيقاع أزمات الشرق الأوسط التي يكون صدى وارتدادات مباشرة داخل ألمانيا. وفي هذا السياق دعا هربرت رويل وزير داخلية أكبر ولاية ألمانية (شمال الراين-ويستفاليا) إلى ضرورة نشر الوعي بين المهاجرين من أصل عربي، وضرورة تلقيهم تكوينا كافيا بشأن الأسس التي تقوم عليها الدولة الألمانية وعلاقتها الخاصة باليهود. وأكد رويل الذي ينتمي لحزب ميركل في تصريحات للقناة التلفزيونية الألمانية الثانية "زي.دي.إف" (17 أيار/ مايو) على ضمان عدم نشوء توجهات معادية للسامية في المقام الأول، داعيا إلى اتخاذ إجراءات صارمة إذا رُددت شعارات معادية للسامية أو عُرضت رموز تتعارض مع الدستور خلال المظاهرات، "لا يسعني إلا أن أوصي أنفسنا سوى بالتدخل والتصدي بقوة ووضوح لهذا الأمر دون أدنى تسامح". صحيفة "نويه تسيوريخه تسايتونغ" الصادرة في سويسرا" (17 أيار/ مايو) قالت إن "الجناة جاؤوا، تقريبا دون استثناء، من بيئة مهاجرة (..) لقد تم التسامح مع معاداة السامية، الإسلامية في ألمانيا لسنوات (...) قال الرئيس فرانك فالتر شتاينماير بعد أعمال الشغب المعادية للسامية في غيلسنكيرشن الأسبوع الماضي "لن ولن نتسامح مع كراهية اليهود في بلدنا، بغض النظر عمن يكون المسؤول". العكس هو الصحيح. تتسامح ألمانيا مع كراهية اليهود - بشرط أن تأتي من المهاجرين".

في سياق متصل، أكدت مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج، أنيته فيدمان-ماوتس، في تصريحات لصحيفتي "شتوتغارتر ناخريختن" و"شتوتغارتر تسايتونغ" (18 أيار/ مايو) أن برلين تعتزم التصدي لمعاداة السامية بصورة أقوى، وأضافت "من بين ذلك بالنسبة لي التحدث في المدارس ودورات الاندماج عن معاداة السامية ليس فقط في سياق محرقة النازية، بل أيضا في سياق النزاعات الجيوسياسية الراهنة في الشرق الأوسط".

 

حسن زنيند

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات