1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مصر- تزايد ضحايا وهم الثراء السريع واحتيال "المستريح"!

٢٤ مايو ٢٠٢٢

رغم استمرار آثار أزمة شركات "توظيف الأموال" التي مر عليها عقود، لا يزال مصريون يقعون في "فخ" حلم الثراء السريع، حتى ظهر مؤخرا من يُطلق عليهم "المستريحين". فما هي هذه القضية ومخاطرها على الاقتصاد المصري؟

https://p.dw.com/p/4Bjvp
سوق شعبية في القاهرة
غياب الوعي الاقتصادي وكيفية استثمار المال والرغبة في الربح السريع والمريح دفعت كثيرين في مصري ليصبجوا ضحايا حتيال "المستريح"صورة من: MOHAMED EL-SHAHED/AFP/Getty Images

 تفاقمت أوضاع حمود، الشاب الذي يعيش في محافظة أسوان التي تزخر بالآثار الفرعونية، خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ إذ ضاعت مدخراته بل وبات مديونا لأحد البنوك المصرية بين ليلة وضحاها.

وفي مقابلة مع DW عربية من أسوان، قال حمود، اسم مستعار، "تعرضت للنصب من اثنين من المستريحين في أسوان. وللأسف لست الوحيد، فهناك أناس كثر كانوا ضحايا لثلاثة أو أربعة من المستريحين".

تتشابه قصة حمود مع قصص شباب ورجال ونساء في أسوان وقعوا ضحايا لما أصبح يُعرف في مصر "بظاهرة المستريح أو المستريحين"؛ وهم أشخاص قاموا بجمع أموال من أهالي المحافظة بزعم استثمارها ومن ثم جني أموال ومكاسب كبيرة تفوق المعدلات الطبيعية سواء في البنوك أو خارجها، ثم يختفي هذا المستريح على نحو مفاجئ.

ويؤكد حمود أن الأمر لم يكن "وعودا فارغة أطلقها المستريح" لجذب ضحايا في محافظة أسوان التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على السياحة التي تضررت كثيرا على مدار الأعوام الثلاثة الماضية بسبب جائحة كورونا؛ ما أثقل كاهل سكان المحافظةخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم والأسعار.

وفي ذلك، يقول حمود "لم يكن الأمر مجرد كلام في الهواء، بمعنى أن المستريح لم يكن يقول لنا أعطيني عشرة آلاف وسوف أعيدها لك 15 ألف على أساس الكلام وخلاص، لكن كان هناك أفعال وسيارات ومشاريع زراعية ومباني. لذا كنا نتوقع أن الأمر يحمل في طياته خيرا كثيرا لنا".

ورغم حديث حمود، إلا أن خبراء اقتصاديين يؤكدون صعوبة إنشاء مشاريع اقتصادية واستثمارية تدر أرباحا "فلكية" مثل التي كان يُروج لها المستريح. وفي مقابلة مع DW  عربية، نفى الدكتور محمد باغة، أستاذ الإدارة واقتصاديات التمويل والاستثمار بجامعة قناة السويس، وجود استثمار حقيقي في العالم يدر كل هذه الأرباح، إلا إذا كانت "هذه الاستثمارات غير مشروعة مثل تجارة المخدرات أو السلاح أو الأعضاء أو الدعارة".

وأوضح أن المستريح وغيره "لا يُدشنون أي مشاريع اقتصادية حقيقة من شأنها تحقيق أي أرباح، بل إن الأمر برمته "عملية نصب "، ويوضح عمل المستريح بأنه "عندما يأخذ كل هذه الأموال الطائلة، فهو لا يقوم باستثمارها في استثمار حقيقي ولكن يأخذ أموال شخص ثم يعطيها لشخص آخر وهكذا حتى تتسع الدائرة ويحصل على أكبر قدر ممكن من الأموال ثم يهرب".

 مخاطر على الاقتصاد

وذكرت وسائل إعلام محلية أن النيابة العامة قررت الأسبوع الماضي حبس "مصطفى البنك" الشهير بـ "مستريح المواشي" واثنين آخرين بتهمة النصب على المواطنين، حيث تبين أنه حصل على نحو 200 مليون جنيه بزعم توظيفها.

وأضافت التقارير أن الأموال التي كانت بحوزتهم عند عملية القبض وصلت إلى أكثر من 10 ملايين جنيه فضلا عن المئات من رؤوس الماشية.

وبعد واقعة "البنك"، أُلقي القبض على "مستريح السيارات" في أسوان أيضا، فيما ترددت الأنباء عن قيام بعض ضحاياه بإضرام النار في منزله وقطع الطريق ما أدى إلى تدخل الشرطة التي قبضت على بعض الأشخاص "بتهمة التجمهر".

ولم تقتصر ظاهرة "المستريح أو المستريحيين" على محافظة أسوان بل امتدت إلى مدن ومحافظات أخرى في أنحاء مصر. ففي محافظة المنوفية، شمال غرب القاهرة، ذكرت تقارير أن محمد يحيي المشهور بـ "مستريح المنوفية" قد جمع نحو 150 مليون جنيه من المواطنين، لكنه أقدم على الانتحار العام الماضي بعد فشله في سداد الأرباح لضحاياه الذين قاموا برفع دعاوى ضده بتهمة النصب والاحتيال.

بدوره، أرجع الدكتور محمد باغة ظهور ظاهرة المستريح إلى عدة أسباب أبرزها غياب معايير ضبط الأسواق، محذرا في الوقت نفسه من مخاطر "المستريحين" على الاقتصاد المصرى. وأضاف في مقابلة مع DW  عربية أن "ظاهرة المستريح تتواجد بكثرة في الاقتصادات الناشئة التي تعاني من غياب معايير ضبط الأسواق وغياب استخدام الموارد المالية المناسبة في الأسواق وغياب الوعي الاستثماري والمالي".

وأضاف بأنه "على سبيل المثال قام مستريح أسوان بجمع 500 مليون جنيه وهناك أخرين مثله. تدور كل هذه الأموال خارج فلك الاقتصاد الرسمي، لذا فهي ظاهرة خطيرة ومميتة للاقتصاد. وقد تؤدي إلى زعزعة ثقة المواطنين في الاستثمار، لأنها تضيف نوعا من التخوف والتردد لدى الأفراد الذين بحوزتهم أموال وإن كان بشكل مؤقت."

 "فخ الثراء السريع"

وتعيد ظاهرة المستريح إلى الأذهان "شركات توظيف الأموال" التي انتشرت في مصر في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكان أشهرها شركات "الريان" و "السعد" التي أوقعت المصريين في "فخ الثراء السريع" ودفعتهم إلىضخ الأموال في هذه الشركات مقابل عائد مادي كبير فاق أسعار الفائدة في البنوك المصرية في ذاك الوقت.

بيد أن شركات توظيف الأموال فشلت في الوفاء بدفع الأرباح بمعدلاتها الكبيرة أو حتى رد أموال المودعين، وسببت أزمة كانت لها تداعياتها السلبية على الاقتصاد والمجتمع ذلك الحين.

ورغم أن ظاهرة توظيف الأموال لا تزال عالقة في الأذهان، إلا أنها عادت مرة أخرى في شكل "المستريح" بداية من عام 2014 على يد شخص استطاع جمع عشرات الملايين في أسوان واعتاد تسليم زبائنه أرباحا، لكنه تعثر وألقي القبض عليه وصدر بحقه حكما بالسجن لمدة 15 عاما ي عام 2015 مع إلزامه برد ملايين الجنيهات لضحاياه.

عمال المياومة في مصر في مواجهة الوباء والجوع

 لكن لماذا عادت ظاهرة الثراء السريع إلى مصر مرة أخرى؟

وفي مقابلة مع DW عربية، أوضحت الدكتورة هالة منصور،استاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، أن الأمر يعود إلى وجود إغراءات في المجتمع  في ظل وضع اقتصادي صعبخاصة مع ضعف قيمة الجنيه. وقالت إن "فكرة الثراء السريع عادت إلى المصريين نتيجة انعدام قيمة الأموال؛ إذ تقل قيمة الأموال بشكل مستمر وبالتالي تقل قيمتها الشرائية بالاضافة إلى وجود أشخاص في المجتمع يحققون مكاسب سريعة مما يجعل الناس يشعرون بسهولة كسب أموال كثيرة، لذا يعتبرون أن من حقهم المشاركة في هذا الماراثون لجني أرباح طائلة".

وشددت الدكتورة هالة على أن "المستريح أو المستريحين" يستغلون ضعف أو قلة الوعي الاقتصادي والاستثماري في المجتمع وتضارب المعلومات بشأن الاقتصاد وطرق الاستثمار في البلاد. وقالت "زبائن المستريح أناس من قليلو الحيلة لديهم سيولة مالية يسعون لاستثمارها بأي شكل، لكن ليس لديهم أي فكر اقتصادي جيد أو أفراد لديهم أموال، لكنهم لا يرغبون في التعامل مع البنوك سواء بسبب الخوف من كشف حساباتهم المصرفية أو يرون أن أموال البنوك تحمل شبهة الربا".

لكنها أستاذة علم الاجتماع تؤكد أن الأمر "يرتبط برمته بالطمع، فضحايا المستريح يرغبون في الربح السريع بما يتجاوز معدلات الاستثمار الحقيقي سواء في الجهاز المصرفي أوخارجه".

القانون غير رادع

وينتظر المتورطون في ظاهرة "المستريح" والذين ألقي القبض عليهم، محاكمتهم. بيد أن خبراء قانونيين يرون أن القانون المصري ليس رادعا، إذ قد لا تتجاوز العقوبة قضاء "المستريح" سنوات قليلة وراء القضبان.

وفي مقابلة مع DW عربية، قال زكريا إسماعيل، المحامي والخبير القانوني، إن "المادة 336 من قانون العقوبات والخاصة بجرائم  النصب تنص على أن كل من يحصل أو يستولي على أموال الغير باستعمال طرق احتيالية بإقامة مشروع وهمي يُعاقب بالحبس من 24 ساعة وحتى ثلاث سنوات".

وأضاف "معظم المستريحين ستتم محاكمتهم في نطاق قانون النصب وليس بموجب قانون توظيف الأموال، لأن المادة رقم 146 لسنة 1988 الخاصة بجرائم توظيف الأموال تنص على أنه يجب أن تكون هناك شركة تعلن للعامة جلب أموالهم لتشغيلها في مخالفة لقانون سوق المال. لأن جمع الفلوس في سوق المال يقتصر على شركات الأسهم المدرجة في سوق المال".

 وشدد الخبير القانوني على ضرورة تعديل القانون لردع "المستريحين" مع حتمية أن تشمل العقوبة والمساءلة القانونية جميع المتورطين معه، مضيفا "نحن في صدد قانون النصب، وقانون النصب الخاص بمعاقبة المستريحين هو قانون ضعيف جدا. لذا يجب إعادة النظر فيه بما يشمل معاقبة المستريحين ومن يساعدهم".

أما بالنسبة لحمود الشاب الأسواني الذي كان مقبلا على الزواج، يحدوه القليل من الأمل في أن تحقق الجهود التي تبذلها شخصيات قبلية في مسقط رأسه مدينة أدفو في تمكنه من استرداد بعض أمواله. وقال "كبار البلد اجتمعوا وقالوا إنه يمكن أن يكون هناك حل والحكومة قبضت على المستريحيين، لكن حقيقة عوضي على الله".

محمد فرحان