1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حراك لبنان... حصاد عام من "ثورة واتس آب"

خالد سلامة
١٦ أكتوبر ٢٠٢٠

تمر الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الاحتجاجات الشعبية في بلد الأرز وسط أزمة اقتصادية خانقة وتفشٍ كبير لفيروس كورونا، وبعد كارثة انفجار مرفأ بيروت المروعة. ماذا حققت "ثورة واتس آب" من أهدافها؟ وماذا بقي في جعبتها؟

https://p.dw.com/p/3k2Z2
في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 اندلعت مظاهرات شبابية في لبنان
في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 اندلعت مظاهرات شبابية في لبنانصورة من: picture-alliance/Xinhua News Agency/L. Liangyong

حين اندلعت التظاهرات في لبنان، كان كل من تيمور جريصاتي (33 عاماً) وجنيفر حيدر (26 عاماً) وداينا عياش (31 عاماً) في عداد المتظاهرين الناقمين على السلطة، لكن مسار التغيير الذي بدأوه مع مئات الآلاف من أقرانهم لم يكتمل.

بعد أقل من عام وأمام فوضى الكوارث المتتالية والمستقبل الذي يبدو قاتماً، تخلّت جنيفر عن حلمها بالتغيير، وقرر تيمور البحث عن حياة خارج لبنان. أما داينا فلا تزال مصرّة على النضال سعياً نحو بلد أفضل. وتُظهر مسارات الناشطين الثلاثة التحديات التي يواجهها الحراك الشعبي بعد عام من انطلاقه في كل المناطق اللبنانية، قبل أن يتراجع زخمه تدريجياً.

"ثورة" مأزومة

في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أعلنت الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل "واتس آب". فجّر ذلك غضب لبنانيين، كانوا بدأوا قبل أسابيع يلمسون مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم للقرار، مرددين شعار "الشعب يريد إسقاط النظام". تراجعت الحكومة عن فرض الرسم المالي، لكن الاحتجاجات الشعبية استمرت.

مئات آلاف اللبنانيين نزلوا إلى شوارع بيروت والجنوب والشمال والبقاع، ضاربين عرض الحائط بالانتماءات الطائفية والحزبية وغير آبهين بزعيم أو قيادي. رفع  المتظاهرون صوتهم عالياً في وجه الطبقة السياسية مجتمعة، وطالبوا برحيلها متهمين إياها بالفساد وعدم المبالاة وحمّلوها مسؤولية تردّي الوضع لاقتصادي وضيق الأحوال المعيشية.

تراجعت وتيرة الاحتجاجات مع تشكيل حكومة جديدة برئاسة حسان دياب مطلع العام الجاري ضمت تكنوقراط سّمتهم أحزاب سياسية.

ساهمت عوامل عديدة في تراجع الحراك الشعبي وغيابه تماماً: انتشار فيروس كورونا المستجد، إلى قمع القوى الأمنية لتحركات عدة تخللتها أعمال شغب، ثم انهماك اللبنانيين في تأمين لقمة العيش واستحصال أموالهم من المصارف أمام الانهيار الاقتصادي المتسارع في البلاد، وأخيراً وليس آخراً انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من آب/أغسطس.

الدكتور اللبناني في العلوم السياسية، مهند الحاج علي، يرى في تصريح لـ DW عربية أن الحراك "فشل في خلق تنظيم وهيكلية واضحة له وإفراز أصوات مؤثرة تتحدث باسمه". ويأخذ الحاج علي، وهو باحث مقيم ومدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، على الحراك أيضاً "ضيق أفقه وتقديم الكثير من الكلام النظري الذي لم يترجم لخطط على الأرض، والعجز عن مواكبة أزمات عاشها اللبنانيون كأزمتي الدواء والفيول".

الدكتور اللبناني-الفرنسي في جامعة باريس، خطار أبو دياب، يرى في حوار مع DW عربية أن "النظام اللبناني لم يتمكن من إخماد الحراك، ولكنه نجح بتطويقه سعياً لاحتوائه". ويأخذ المحلل السياسي على الحراك العجز عن فرز قيادات، وعدم حسم  الأولويات، وحصول اختراقات خارجية وأخرى من قبل أحزاب النظام الرسمي وثالثة من قبل طوائف النظام الرسمي، على حد تعبيره.

إحدى  الشعارات التي رفعت في التظاهرات ورسمت على الجدران في بيروت
إحدى الشعارات التي رفعت في التظاهرات ورسمت على الجدران في بيروتصورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Malla

إنجازات ملموسة..ولكن!

الثابت أن الحراك الشعبي كسر حواجز عدة بعدم استثنائه منطقة أو طائفة أو زعيم، خصوصاً بعدما طالت الهتافات حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، في مشهد لطالما اعتُبر من "المحرّمات".

وطالت رياح التغيير الانتخابات النقابية والطالبية، فاعتبر انتخاب ملحم خلف، القريب من المتظاهرين والناشط منذ عقود في المجتمع المدني نقيباً لمحامي بيروت "انتصاراً" لطالبي التغيير. وحقّق ناشطون مستقلون اختراقات في الانتخابات الطالبية في جامعات عدة.

وأطلق الحراك مبادرات مدنية عدة ومنح دفعاً لمبادرات أخرى بينها منصة "ميغافون" الإعلامية التي انطلقت عام 2017. ويقول أحد مؤسسي المنصة جوناثان داغر إنها تهدف إلى نقل مطالب الشارع بعيداً عن "الخطاب المهيمن" على الإعلام المحلي، في غياب وسائل إعلام "مستقلة" بشكل كامل، كون غالبيتها موالية لطرف سياسي ما أو على الأقل مؤيدة لخط سياسي ما.

ويعتبر ناشطون أنهم حققوا انجازاً بعدما قرر البنك الدولي وقف تمويل مشروع بناء سد بسري جنوب بيروت، الذي عارضه ناشطون بيئيون ومجموعات مدنية ضاعفت تحرّكها خلال فترة الاحتجاجات.

وبثّ الحراك زخماً في نقاش قضايا عدة من العلمانية إلى حق المرأة في منح جنسيتها لأولادها ودعم الفئات المهمّشة، وهو ما يعتبره الباحث وأستاذ العلوم السياسية في باريس زياد ماجد "بداية تغيير في الذهنية".

المباني الأثرية في بيروت .. صرخة ما بعد الانفجار

شكلت التظاهرات، وفق ما تشرح أستاذة التاريخ والعلوم السياسية كارلا إده لوكالة فرانس برس "تحولاً تاريخياً بالتأكيد" في لبنان، لكنه "لا يزال من المبكر الحديث عن مرحلة تأسيسية". ولعلّ المثال الأكثر وضوحاً هو أن الطبقة السياسية، التي يطالب المتظاهرون منذ عام برحيلها واستبدالها بحكومة اختصاصيين مستقلة تماماً، لا تزال تتحكم بالحياة السياسية، تتقاسم الحصص في ما بينها وتحدد شكل الحكومات وأعضاءها.

وتوضح إده أن الحركات الثورية "تحتاج لوقت بشكل عام" لتحقيق التغيير "إلا أن الوقت وحده لا يكفي". وترى أن الحركات التي نجحت في "هيكلة" نفسها تمكّنت من تحقيق تغيير، فيما "تغيب القيادة" عن الحراك اللبناني الذي يقوم على مجموعات مختلفة تتباين وجهات نظرها أحياناً.

ولم تثمر المحاولات المستمرة لإنشاء تحالف سياسي واسع يشمل العدد الأكبر من المجموعات، وفق ناشطين. ويقول داغر "إنها عملية تحتاج وقتاً". ويضيف "لا نتوقع أن ينهار نظام معقد بهذا الشكل بين ليلة وضحاها... نعرف جيداً حجم الوحش الذي نجابهه".

المحلل السياسي خطار أبو دياب يذهب إلى أن الحراك "أعطى صورة-ولو أنها لم تدم أكثر من أسبوعين-عن إمكانية تجاوز الطائفية والانتقال إلى دولة المواطنة، وعرّى منظومة الفساد"، مضيفاً أنه ساهم بتعرف اللبناني على الآخر خارج الرؤى الطائفية: "تحسن الوضع إلا أن الجدران لم تتهدم بالكامل".

أما مهند الحاج علي، الباحث المقيم ومدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، فيرى أن الحراك "أفرز بعض الشخصيات والأصوات التي قد يكون لها مكان ما في الانتخابات القادمة".

"مستمرون"

لم تتردد داينا عياش لحظة واحدة عن النزول إلى الشارع حين وصلتها المشاهد الأولى للتظاهرات في بيروت. لم تكتف الشابة، التي أسّست منظمة غير حكومية لدعم الفنانين في لبنان والشرق الأوسط، بالتظاهر والهتاف ضد السلطة الحاكمة، بل انضمت إلى صفوف شبان وشابات عمدوا بشكل شبه يومي إلى قطع طريق رئيسي يؤدي إلى وسط بيروت. وتقول إنها شعرت في تلك اللحظة بتحدي "وهم" مفاده أنه لا يمكن المساس بالنظام القائم في لبنان.

خلال أشهر، تحولت داينا إلى وجه معروف في دوائر منظمي التظاهرات. وكرّست جهودها لدعم قضايا عدة وجدت في التظاهرات متنفساً لها من بينها حقوق النساء والعاملات المهاجرات أو المثليين. وتقول "أكثر ما أثّر بي هو معرفتي أنني لست الوحيدة التي لديها الكثير لتناضل من أجله".

تقرّ داينا بتراجع زخم التظاهرات، لكنّها تصرّ على أن الحراك لم ينته. وتقول إنّ الأزمات المتتالية التي تصفها بـ"إعصارات"، تزيد من إصرارها على الاستمرار. وتقول "لا يمكننا أن نحدّد ما الذي سيدفعنا إلى الاستسلام، لأنهم أذونا كثيراً، لكننا مستمرون".

خالد سلامة

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد