1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

سوق العقارات في اليمن - مآسي الحرب عند تجار الأزمات فوائد

٢٩ يوليو ٢٠٢٢

يدفع الوضع المتردي في اليمن الكثير من الناس إلى بيع ممتلكاتهم لتغطية تكاليف حياتهم اليومية ولأسباب أخرى، ما هذه الأسباب، وكيف أثرت عمليات البيع على سوق العقارات في ظل استمرار الحرب وتدهور الوضع الاقتصادي؟

https://p.dw.com/p/4EmPu
عامل يمني يحاول إصلاح سطح أحد المنازل في العاصمة صنعاء، يوليو/ تموز 2022
العاصمة اليمنية صنعاء وتبدو أبنيتها التقليدية التي حل بها الإهمال بسبب الحرب المستمرة منذ سنواتصورة من: Mohammed Mohammed/Xinhua/picture alliance

منذ سنوات لم يعد لدى أسرة اليمني عتيق عبدالله أي دخل لتغطية نفقاتها سوى بيع ممتلكاتها العقارية. العائلة المؤلفة من ثمانية أشخاص لم تكن تعلم من أين تأتي بدخل آخر مثلها مثل العائلات الأخرى التي تضطرها الحرب والكارثة الإنسانية والانهيار الاقتصادي المترافق معه لبيع ممتلكاتها بهدف توفير نفقاتها اليومية ولو لفترات محدودة. وهو الأمر الذي ساعد على جعل سوق العقارات الأكثر انتعاشاً على أنقاض مجالات التجارة الأخرى.

كان عبدالله يعتمد على راتبه الحكومي التقاعدي بدرجة وظيفية لا بأس بها، ينفق على متطلبات أسرته، بما فيها نفقات التعليم لأبنائه، قبل أن تتوقف الجهات الحكومية في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، عن دفع المرتبات للموظفين الحكوميين منذ سبتمبر/ أيلول2016، وحينها لم يجد سوى البدء ببيع ممتلكاته، والمتمثلة بأكثر من قطعة أرض ورثها عن والده في محافظة ذمار إلى الجنوب من صنعاء، بدأ ببيعها على التوالي لتغطية النفقات. ويضيف لـ DW عربية أن آخر أملاكه التي كان يرفض بيعها قبل عامين بسعر 20 مليون ريال، اضطر لاحقاً لبيعها بـ"ثمن بخس يعادل نصف القيمة"، بسبب الحاجة الملحة.

مساعدات غذائية من السعودية، ديسمبر/ كانون الأول 2021
أرتفاع أسعار المواد الغذائية وتكاليف الحياة اليومية الأخرى تدفع المزيد من اليمنيين لبيع ممتلكاتهمصورة من: Wang Haizhou/Xinhua/picture alliance

وعلى الرغم، من أن ممتلكات عبدالله التي اضطر لبيعها أسهمت في تأمين معيشته في ظل الحرب والانهيار الاقتصادي  وانقطاع مرتبات الموظفين الحكوميين، إلا أن ذلك لم يعفه من القلق الذي يتزايد كلما باع شبراً من أملاكه، دون أن يظهر في الأفق ملامح لقرب نهاية الحرب وما يترافق معها من ظروف قاهرة تتفاقم كل يوم.

عبدالله هو واحد من نسبة كبيرة من اليمنيين، ممن كانوا يدخرون ما ينفقونه لفترات متفاوتة. ومنذ الشهور الأولى للحرب والظروف التي رافقتها، اضطرت الغالبية منهم لبيع ممتلكاتهم، بما في ذلك المنازل، وهذا ما ينطبق بشكل خاص على النازحين الذين غادروا مناطق سكنهم بسبب الحرب أو هرباً من الملاحقات بسبب مواقفهم السياسية، ولما لم يجدوا أملاً بعودة قريبة أو نفقات في مناطق النزوح داخل وخارج البلاد لجأوا لبيع بيوتهم، بين من سعى للتعويض في مناطق أخرى وبين من اكتفى بتغطية متطلباته المعيشية.

ماذا وراء انتعاش سوق العقارات؟

وسط حركة بيع الممتلكات العقارية لنسبة من اليمنيين، انتعش سوق العقارات وتحول بالنسبة لآخرين إلى ملجأ اضطراري للمفلسين في المنشآت الصغيرة على نحو خاص، كما هو حال أحمد مطهر وهو أربعيني كان يملك مطعماً يعمل فيه أكثر من خمسة أشخاص، وبعد أن تعرض للإفلاس في السنوات الأولى للحرب، أصبح يعمل في تسويق وبيع الأراضي، ويقول لـ DW عربية، إنها تدر عليه دخلاً يتفاوت من صفقة بيع لأخرى، غير أن الدخل الجديد لا يأتي بأي حال من الأحوال بما كان يحصل عليه من المطعم الذي كان ملكاً له بالمناصفة مع شريك له، مضيفا أن عمله الجديد هو "الفرصة الوحيدة التي أتيحت لنا للعمل".

منظر من الدمار الذي لحق بمدينة تعز، مايو/ أيار 2022
الحرب دمرت البنية التحتية اليمنية التي كان في الأصل ضعيفة حتى في المدن الكبرىصورة من: AHMAD AL-BASHA/AFP/Getty Images

دمار المرافق وبناء المساكن

وبينما ألحقت الحرب دماراً واسعاً، لاسيمافي المنشآت الحيوية والمدن التي تُعد ساحة لمعارك متقطعة أو مستمرة حتى اليوم، شهدت مناطق أخرى اتساعاً في حركة البناء للمساكن، الأمر الذي يعود إلى جملة من الأسباب، بما فيها النزوح؛ كما هو حال مدينة مأرب التي كان عدد سكانها مئات الآلاف قبل الحرب، وباتت تستضيف أكثر من مليوني نازح، وفقاً لتقارير المنظمات الدولية والجهات الحكومية اليمنية.

الأمر ينطبق أيضاً على مناطق أخرى كصنعاء، حيث تظهر بيانات لوزارة النقل اليمنية قامت DW بتحليها زيادة في حركة نقل مواد البناء بين عامي 2019 و2021 في سبع محافظات، بما فيها صنعاء، التي استهلكت نحو 81 بالمائة من اجمالي مواد البناء، وتكشف ذات البيانات، عن نقل طنين اثنين من مواد البناء مقابل طن للمواد الغذائية. في حين تظهر بيانات الامم المتحدة للتجارة العالمية للفترة (2014-2021)، ارتفاع قيمة استيراد اليمن للحديد، خلال العام 2021 بأكثر من الثلث، فيما احتل العام 2016 الأقل، بنسبة لم تتجاوز 1 بالمائة.

لماذا تستمر الهجرة إلى المدن؟

ويقول محمد القاعدي وهو مسؤول في مؤسسة للخدمات العقارية في صنعاء لـ DW عربية، إن أحد أبرز أسباب انتعاش سوق العقارات هو أن "الهم الرئيسي للمواطن في ظل الحرب يتمثل في "الحصول على السكن"، فضلاً عن الهجرة السكانية من الأرياف إلى المدن، والتي أدت بدورها إلى زيادة الكثافة السكانية في المدن الرئيسية، وهذه "الهجرة تسببت في ارتفاع أسعار العقارات سواء الأرض أو المنازل وحتى الإيجارات".

منظر من العاصمة اليمنية صنعاء، حيث يظهر بناء حديث وآخر قيد الإنشاء، يوليو/ تموز 2022
بيع الممتلكات ينعش سوق العقارات في ظل استمرار الحرب، إلى متى يستمر هذا الوضع؟صورة من: Farouk Mokbel/DW

ويضيف أن الهجرة إلى المدن "إما بسبب البحث عن العمل لانعدام فرصه في المناطق الريفية، خصوصا مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية بل وانعدامها في أغلب الأوقات والتي يعتمد عليها المواطن في الريف بشكل رئيسي، أو بحثا عن الخدمات الأساسية والضرورية للحياة التي تكاد تكون معدومة في معظم المناطق الريفية". يضاف إلى ذلك أن الكثيرين يبحثون في المدن عن ملاذ آمن لأموالهم من خلال شراء العقارات للحفاظ على قيمتها. في ضوء الخسائر التي تكبدتها مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد.

انتعاش يثير الشبهات

وبدوره يرجع المحلل الاقتصادي رشيد الحداد في حديثه لـDW عربية، انتعاش سوق العقارات، إلى استمرار الحرب منذ سنوات وعدم استقرار أسعار العملة المحلية، بحيث اتجه أصحاب الأموال لتأمين ما لديهم في قطاع العقارات، كونه الأكثر أماناً في اليمن حالياً، حيث توقفت البنوك عن صرف الودائع منذ العام 2016، كما أن حركة النزوح الداخلية أدت إلى ارتفاع الطلب على المنازل وأسهمت في رفع الإيجارات الشهرية وحفزت أصحاب رؤوس الأموال للتوجه نحو البناء.

إلى ذلك، فإن حركة العقارات والبناء، لا تخلو من الشبهات، الأمر الذي يمكن تلمسه، بتصريح أطلقته الهيئة العامة للأراضي في صنعاء، مطلع العام 2020، ودعت فيه إلى لمكافحة "غسيل الأموال"، وأشارت إلى أن قطاع العقارات من أكثر القطاعات جذباً لغاسلي الأموال وإخفاء ما يتم تحصيله بطرق غير شرعية.

صفية مهدي