1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عبور صربيا.. مهاجرون يواجهون إنهاكا وخدمات شبه معدومة

٢٨ أكتوبر ٢٠٢٢

على طريق البلقان تتقاطع قصص مهاجرين عابرين لصربيا وتتكرر شهاداتهم عن عنف تعرضوا له قبل الوصول إلى بلغراد. يحاولون البقاء لأقصر وقت، حتى إكمال رحلتهم باتجاه الاتحاد الأوروبي، لتبدأ هناك رحلة عبور جديدة. (حلقة 1 من 3).

https://p.dw.com/p/4InBH
إحدى الحافلات في محطة حافلات بلغراد. الصورة: مهاجرنيوز/دانا البوز
إحدى الحافلات في محطة حافلات بلغراد. الصورة: مهاجرنيوز/دانا البوزصورة من: Dana Albouz/DW

وسط العاصمة الصربية، تتجاوز الحافلات الكبيرة الملونة السيارات المزدحمة لتركن في ساحة المحطة الرئيسية التي يصل إليها المسافرون من مختلف المدن، وتنطلق منها رحلات يومية باتجاه مناطق الشمال الحدودية مع هنغاريا ورومانيا وكرواتيا، فيما تتكأ امرأة أربعينية على شاب بجانبها يساعدها على الوقوف، بينما تتحدث على هاتفها المحمول وهي تحاول أن تقف باستقامة متغلبة على آلام قدميها المليئتين بالجروح الظاهرة رغم محاولتها تغطية بعضها بضمادات صغيرة.

"وصلنا للتو إلى بلغراد"، يقول الشاب السوري بينما يتقدم بخطوات ثقيلة برفقة المرأة التي تجر قدميها فوق خف صيفي مفتوح، وشابين آخرين يحمل كلا منهما حقيبة ظهر صغيرة، "أمضينا أسابيع طويلة على الحدود بين تركيا وبلغاريا وصولا إلى هنا"، يلتقط أنفاسه محاولا أن يزيد من سرعة خطواته داعيا أصدقائه للاتجاه إلى اليمين قبل أن ينهي حديثه مع فريق مهاجرنيوز قائلا "عذرا الحافلة ستغادر بعد دقائق قليلة إلى الشمال، علينا اللحاق بها".

تزداد الحركة في المحطة الحافلات ويهرع عشرات المسافرين إلى الحافلة المتجهة إلى مدينة سومبور شمال صربيا، فيما تجلس مجموعة من أربعة شباب على مدرج صغير، تلاحق أعينهم حركة المارين. يقول محسن "لم نستطع المغادرة للأسف، لم يبق لدينا مال لشراء تذكرة الحافلة"، يبتلع الشاب المغربي ما تبقى لديه من ماء في زجاجته الصغيرة مضيفا، "وصلنا إلى بلغراد منذ يومين، وأمضينا ليلتنا في حديقة مجاورة، لكن الشرطة أتت في الصباح وطردتنا مع باقي الأشخاص.. لا يوجد فعلا أي مكان آخر يمكننا الذهاب إليه".

بعدما أمضى محسن البالغ من العمر 26 عاما ثلاثة أشهر من "محاولات العبور المنهكة والعنيفة من تركيا إلى بلغاريا وصلنا أخيرا إلى صربيا"، يقاطعه صديقه أشرف (20 عاما) مطلقا ضحكة ساخرة "والآن سنبدأ رحلة عبور جديدة، لكننا ننتظر الحصول على بعض المال من العائلة أو الأصدقاء".

محسن وعثمان أمام محطة الحافلات الرئيسية في العاصمة بلغراد. الصورة: مهاجرنيوز/ دانا البوز
محسن وعثمان أمام محطة الحافلات الرئيسية في العاصمة بلغراد. الصورة: مهاجرنيوز/ دانا البوزصورة من: Dana Albouz/DW

غياب خدمات الدولة.. "على الجمعيات سد الثغرات ومساعدة المهاجرين"

تحولت صربيا خلال الفترة الأخيرة إلى بلد عبور رئيسي على خارطة طريق دول غرب البلقان، لا سيما لكونها تشترك بحدود طويلة مع هنغاريا وكرواتيا، العضوان في الاتحاد الأوروبي. ووفقا لوكالة حرس الحدود الأوروبية "فرونتكس"، يعد طريق غرب البلقان من "أكثر طرق الهجرة نشاطا" إلى أوروبا، حيث سجلت أكثر من 19 ألف محاولة عبور خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي.

 

الشباب المغاربة وجدوا أنفسهم مشردين كغيرهم من عشرات الأشخاص من مختلف الجنسيات الذين يصلون إلى العاصمة بلغراد، حيث بات النوم في الحدائق المجاورة لمحطة الحافلات أمرا شائعا، ففي العاصمة ليست هناك أماكن كافية لاستقبال الوافدين الجدد الذين لا تتوفر لهم أدنى الاحتياجات الأساسية أو حتى المعلومات.

مركز الاستقبال الوحيد في المنطقة يقع على أطراف المدينة ولا تصل إليه وسائل النقل العامة، يعاني من اكتظاظ كبير وينام حوالي 300 شخص خارجه. وبحسب الأرقام الرسمية، يوجد في مختلف أنحاء صربيا حوالي 17 مركز استقبال بطاقة استيعابية لا تتجاوز الستة آلاف، فيما يوجد حاليا في البلاد حوالي 10 آلاف مهاجر، الجزء الأكبر منهم يتركز في الشمال.

صربيا تتحول مجددا لبؤرة للاجئين الراغبين بالوصول إلى ألمانيا

محمد، شاب سوري يبلغ من العمر 30 عاما، أمضى الليلتين الماضيتين في المركز لكن الاكتظاظ الشديد هناك وظروف العيش المتدهورة إضافة إلى سوء النظافة وانتشار الجرب، كلها أمور دفعته للخروج خلال النهار بحثا عن أي منفذ علّه يستطيع أخذ قسطا من الراحة بعدما أنهكته رحلة عبور الحدود من تركيا إلى صربيا مرورا بألبانيا وكوسوفو.

وبينما كان يجول شوارع العاصمة وعلى بعد حوالي 5 دقائق من المحطة الرئيسية، وجد عن طريق الصدفة ورقة معلقة على باب زجاجي كتب عليها بلغات عدة خدمات تقدمها جمعية "كولكتيف أيد" للمهاجرين، وللمرة الأولى شعر الشاب "بنوع من الارتياح" كما يقول، "فلا يوجد شيئ في هذا البلد يجعلك تشعر بأنه مرحّب بك، كأنك مخنوقا طوال الوقت".

لا نستطيع تلبية الاحتياجات المتزايدة

في صالة صغيرة تحتوي على أربع غسالات ومجففات ملابس، تأخذ كلوديا ثياب شاب بينما تعمل زميلتها على توضيب أغراض آخر، فيما يجلس أربعة شباب أفغان حول مجموعة من القوابس الكهربائية لشحن هواتفهم المحمولة. وفي الجهة المقابلة سلم يؤدي إلى طابق علوي فيه أربعة أماكن للاستحمام وبعض أدوات النظافة الشخصية من صابون الاستحمام ومستلزمات حلاقة وثياب داخلية جديدة.

خريطة توضح طريق البلقان للهجرة غيرالقانونية
خريطة توضح طريق البلقان للهجرة غيرالقانونية صورة من: Dana Albouz/DW

كريم، شاب أفغاني غادر كابول بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم هاربا إلى تركيا ومنها إلى صربيا عبر بلغاريا، وفيما يمسك بهاتفه المحمول يشير إلى السروال الذي يرتديه قائلا "هذا كل ما أملكه إضافة إلى سترة أخرى وضعتها للتنظيف. لقد فقدنا كل شيء أثناء محاولاتنا المتكررة لعبور الحدود إلى بلغاريا".

مركز جمعية "كولكتيف أيد" افتتح منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتقول المتطوعة كلوديا إنه منذ حوالي أربعة أشهر ازدادت أعداد العابرين بشكل ملحوظ، وتوضح أنه "منذ حزيران/يونيو الماضي، يأتي إلى مركزنا حوالي 100 شخص يوميا، لكننا فوق طاقتنا الاستيعابية ولا نستطيع تلبية الاحتياجات المتزايدة، أمس مثلا أتى إلى مركزنا 20 شخصا لم نتمكن من مساعدتهم، لم تكن هناك أماكن متاحة".

بلغراد، محطة توقف إجبارية لتنظيم الرحلة

باتت العاصمة بلغراد وكأنها محطة توقف مركزية وإجبارية تربط الجنوب بالشمال، يصل إليها أغلب المهاجرين منهكين من رحلة العبور ويمضون فيها إما ساعات قليلة أو أسابيع عدة ريثما يضعون خطة لإكمال طريقهم إلى دول الاتحاد الأوروبي.

مركز جمعية Collective Aid قرب محطة حافلات بلغراد. الصورة: مهاجرنيوز
مركز جمعية Collective Aid قرب محطة حافلات بلغراد. الصورة: مهاجرنيوزصورة من: Dana Albouz/DW

تتقاطع شهادات المهاجرين وأقوالهم أثناء لقاء فريق مهاجرنيوز لوصف مشاهد مرعبة من العنف المتكرر الذي تعرضوا له على يد حرس الحدود البلغاري أو اليوناني قبل وصولهم إلى بلغراد، "ضرب بالهراوات، سرقة هواتف، إطلاق نار في الهواء...". لكن ورغم الإنهاك الشديد من رحلة العبور إلا أن البقاء في صربيا لا يبدو خيارا.

المحامي نيكولا كوفاتشيفيتش المتخصص بقانون اللجوء يقول لمهاجرنيوز "صربيا بلد عبور لكن نظام اللجوء في البلد لا يشجع الأشخاص على البقاء هنا، فلا توجد سياسة لإدماج أو دعم اللاجئين وإمكانيات الدولة محدودة جدا. توجد ثلاثة مكاتب لتقديم اللجوء ويبقى على المنظمات الإنسانية تحمل العبء الأكبر وسد الثغرات في تقديم الدعم القانوني والرعاية الصحية مثلا. صحيح أن صربيا دولة فقيرة، لكن السلطات لا تقدم حتى الحد الأدنى من الدعم".

لا بد من الخروج لا مجال للبقاء هنا

وبينما يقف محمد بانتظار دوره لتنظيف القليل من الملابس المتبقية معه بعد رحلة العبور، يؤكد على رغبته بإكمال طريقه بحثا عن حياة استقرار في دولة أوروبية بعدما أمضى حوالي عشرة أعوام في مدينة إسطنبول التركية حيث "باتت الحياة لا تطاق. فلا يوجد هناك أفق ولدينا خوف دائم من الترحيل إلى سوريا. أنا لدي طفلة أتمت أعوامها الأربعة، وأخوض هذه الرحلة من أجل تأمين مستقبل لها".

وتجهيزا لباقي رحلة العبور، "سأبقى قليلا هنا وأحاول تجميع بعض المال عبر تصفيف شعر المهاجرين في المخيم، فأنا كنت أعمل كحلاق في تركيا وربما أستفيد من مهارتي لتجميع مبلغا قليلا يعينني على إكمال رحلة العبور إلى هنغاريا أو كرواتيا. أما البقاء في صربيا فهو ليس خيارا أصلا، لا يوجد شيء هنا.. لا بد من الخروج لا مجال للبقاء".

وسط العاصمة الصربية بلغراد. الصورة: مهاجرنيوز
وسط العاصمة الصربية بلغراد. الصورة: مهاجرنيوزصورة من: Dana Albouz/DW

وفقا لتقديرات جمعية "كليكاكتيف" المحلية التي تقدم الدعم للمهاجرين، في العام 2021 عبر صربيا حوالي 60 ألف شخص، فيما ارتفعت الأرقام خلال الأشهر الماضية ووصل عدد المهاجرين الذين مروا عبر صربيا منذ بداية العام الجاري وحتى أيلول/سبتمبر الماضي إلى 90 ألف شخص، أغلبهم من سوريا وأفغانستان والمغرب وتونس.

يستنكر منسق الجمعية فوك فوكوفيتش غياب الدعم الرسمي، قائلا "الأشخاص عندما يصلون إلى صربيا ليست لديهم أدنى فكرة عن حقوقهم والسلطات لا توفر أي نوع من المعلومات لمساعدتهم على فهم الخيارات المتاحة أمامهم، لذلك نحاول الذهاب إلى أماكن تجمع المهاجرين لتقديم الدعم لهم في حال كانوا يريدون تقديم اللجوء مثلا، أو لفهم حقوقهم. أغلبهم يصل في حالة ضياع كاملة منهكين من السير والنوم في الغابات".

دانا البوز، موفدة خاصة مهاجر نيوز إلى صربيا 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات