1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"شعب ألمانيا".. كتاب عن العنصرية في الحياة اليومية بألمانيا

١٢ فبراير ٢٠٢٣

صدر كتاب جديد في ألمانيا يرصد أشكال العنصرية التي يتعرض لها سكان البلاد الذين تدل ملامحهم على أنهم من أصول مهاجرة بما يشمل التنمر والإهانة وحتى السخرية والتي تحدث يوميا.

https://p.dw.com/p/4NHtP
ناشرا  كتاب "شعب ألمانيا" مارتينا رينك وسيمون يوسيفو
ناشرا  كتاب "شعب ألمانيا" مارتينا رينك وسيمون يوسيفوصورة من: Sammy Hart/Eden Verlag

عندما انتقلت باتريشيا ين لين فرايموث مع زوجها إلى شقتهما الجديدة في مدينة ميونيخ، سألها أحد الجيران سؤالا لم يخطر على بالها مفاده "هل انتِ عاملة النظافة الجديدة؟"

وقد نقلت تلك المعاناة إلى سطور في مقال تضمنه كتاب صدر مؤخرا تحت اسم "شعب ألمانيا " أو "People of Deutschland"، حيث تطرقت باتريشيا ين لين فرايموث والتي تعمل حاليا كخبيرة في العلاقات العامة عمّا تعرضت له وشقيقتها من عنصرية بسبب ملامحهما الآسيوية.

تَعتبر ألمانيا نفسها دولة ليبرالية، وفي عام 2023  يُنظر إليها أيضا على أنها بلد عالمي أكثر مما كان عليه الوضع قبل الألفية الجديدة. ومنذ استضافة البلاد كأس العام لكرة القدم عام 2006 تردد كثيرا عبارة "ألمانيا أصبحت بلدا متعدد الألوان". وفي ضوء تزايد التنوع الذي طرأ على وسائل الإعلام والسياسة، تزايد الانطباع بين المراقبين للشأن الألماني بأن العنصرية آخذة في التراجع في البلاد.

بيد أن هناك مخاوف حيال استمرار العنصرية  في البلاد وفقا لما كشفت عنه مفوضة الحكومة الألمانية لمكافحة العنصرية، ريم العبالي-رادوفان، في تقريرها السنوي الأول بأن العنصرية تشكل تهديدا للديمقراطية في البلاد. وقد تم هنا لأول مرة التركيز على منظور أو وجهة نظر الأشخاص المتضررين من العنصرية.

وشددت العبالي-رادوفان، التي تولت المنصب الذي تم استحداثه من قبل حكومة المستشار شولتس، على ضرورة تقديم الدعم بشكل أفضل للأشخاص الذين تضرروا من العنصرية، بالتوازي مع الإقرار بشكل أكبر في أنحاء البلاد حيال خطورة العنصرية الهيكلية والتي تحدث بشكل يومي لوضع نهاية "لسنوات من التجاهل".

وفي تصريحاتها، كانت العبالي-رادوفان حريصة على تسليط الضوء على أن العنصرية ليست فقط "جرائم العنف والكراهية" وإنما يدخل في إطارها أيضا الأنماط المستترة والخفية من التمييز والتحيز التي يُطلق عليها مصطلح "العدوان المصغر/ Mikroaggression". وأضافت أنه يدخل في إطار العنصرية الإقصاء المنهجي من سوق العمل والعقارات ونقص التمثيل في دوائر السلطة وحتى عنف الشرطة وأشكال التمييز في المدارس والأندية أو في عيادات الأطباء.

غلاف كتاب "شعب ألمانيا"
غلاف كتاب "شعب ألمانيا"صورة من: Eden Books

تجارب مؤلمة

وصدر كتاب "شعب ألمانيا" خلال الاحتفال السنوي بما يُعرف بـ "شهر تاريخ السود"، فيما يرصد التجارب الشخصية للأشخاص الذي يعيشون في ألمانيا ويحملون ملامح تدل على أنهم من أصول مهاجرة.

ومن بين من رصد الكتاب تجاربهم مشاهير مثل المؤلفة والناشطة الألمانية ذات الأصول الكردية الإيزيدية دوزين تيكال والمذيع  التلفزيوني مولا أديبيسي ولاعب كرة القدم الغاني السابق، هانس ساربي، الذي لعب مع نادي فورتونا كولونيا الألماني.

ولا ينحصر الكتاب على سرد تجارب ومعاناة المشاهير في ألمانيا مع العنصرية فحسب وإنما يتضمن أيضا تجاربا لأشخاص عاديين في المجتمع يتحدثون عن تجارب شبه يومية مع العنصرية، وهو الأمر الذي قد يلحق الضرر أكثر من تلك العنصرية التي تقوم على الأفكار والأيديولوجيات، وفقا لما ذكرته الصحافية مارتينا رينك.

وقالت رينك: "ترافق العنصرية اليومية مفارقة غريبة ألا وهي أن (العنصرية) يمكن أن يتسبب فيها أي شخص ومن الجميع وحتى الأصدقاء والأحباب قد يفعلون ذلك دون أن يدركوا أنهم يتسببون في أذى وضرر".

وجاء الكتاب كعمل مشترك للكاتبة مارتينا رينك، التي تنحدر من أصول فارسية ونشأت في المملكة المتحدة وألمانيا، وأيضا الصحافي سيمون أوسيفو وهو ابن لأب نيجيري وأم فرنسية.

يتضمن الكتاب 45 قصة شخصية، فضلا عن صور قام بالتقاطها المصور سامي هارت، الذي يعيش في برلين ويُعرف بالأعمال التصويرية مرهفة الإحساس.

التمييز والعنف

وقال أوسيفو إن الكتاب يحتوي على قصص عن العنصرية الكامنة  أو ما يُطلق عليها "العدوان المصغر" التي قد تكون "تحيزا غير مقصود وتمييزا وصورا نمطية، مضيفا "الأمر يشمل كل شيء من العنف النفسي والجسدي. في الواقع، جرى تمثيل كل شيء في الكتاب."

ولا يهدف الكتاب إلى اتخاذ إجراء عنيف ضد الأشخاص العنصريين، لكن الهدف يتمثل في تثقيف القراء حول أشكال العنصرية والتمييز من أجل تسليط الضوء عليها ومحاربتها من أبناء المجتمع.

أصحاب البشرة السمراء

يقول المذيع والمغني الألماني مولا أديبيسي في الكتاب إنه خلال "ذروة نجاحه" في أواخر التسعينيات، طرق على باب مكتبه أحدُ المحققين طالبا لقائه ليبلغه أن غلاف ألبوم أغانٍ لفريق غنائي يرتبط بالنازيين الجدد يتضمن صورته "كرجل مشنوق" إلى جانب المطربين فارين أورلوب وكامبينو، فيما حملت إحدى أغاني الألبوم إهانة له.

المغني والمذيع التلفزيوني مولا أديبيسي يحكي في الكتاب عن تجارب عنصرية تعرض لها
المغني والمذيع التلفزيوني مولا أديبيسي يحكي في الكتاب عن تجارب عنصرية تعرض لهاصورة من: Eden Verlag

وأضاف "كانت هذه لحظة فارقة إذ قبلها لم تكن لدي أي خبرة بالعنصرية أو كره الأجانب، حيث عشت حياتي بطريقة ساذجة وحالفني الحظ كثيرا، لكن بعد لقاء المحقق، تغير كل شيء. يرافقني الآن حراس شخصيون في كل حفلة. وعندما أتواجد في الشارع فإن الأمر ليس بالعادي بل يتعلق بتدابير شرطية من المستوى الثالث، فضلا عن أني أدخل إلى الاستوديو من الباب الخلفي". وتابع أديبيسي: "بدأت في التفكير في كل كلمة تُنطق حولي، حتى لوكانت كلمات عفوية ولقد رصدت مشاعر قومية كامنة في كل مكان. وعلى متن الرحلات الجوية كان يوجه إلى الخطاب باللغة الإنجليزية وحتى المجاملات المفترضة كانت مسمومة ومشبعة بالعنصرية، (كأن يقال لي) أنت تبدو أنيقا حقا بالنسبة لرجل أسود". وتابع المذيع والمغني الألماني: "إذا كان هذا هو الشعور أن تكون ألمانيا، فأعتقد أنه أمر صعب جدا أن تشعر أنك ألماني".

"أعرف شعور من يتعرض للعنصرية"

في عام 2020 ، قُتل فرحات، ابن سيربيل تيميز أونفار، في إطلاق نار في مدينة هاناو الألمانية، حيث كان من بين تسعة أشخاص قُتلوا في التاسع عشر من فبراير /  شباط في ذاك العام على يد رجل ألماني يدعى توبياس أر (43 عاماً) في هجوم ذي "دوافع عنصرية".

وقالت سيربيل تيميز أونفار إن ابنها كان يواجه أشكالا من العنصرية اللفظية من قبل معلميه، فيما أضطر إلى إعادة أحد الفصول الدراسية رغم أن درجاته لم تكن سيئة إلا في مادة واحدة فقط، مضيفة أن فرحات فهم مبكرا أن الأمر يتعلق بمشكلة هيكلية، وحاول التوعية بشأنها، قبل أن يجري قتله بينما كان في سن الـ22 عاما. 

وفي الكتاب، تطرح سيربيل، والدة الضحية، سؤالا مفاده: "لماذا سمح لشخص مثل قاتل فرحات بأن يحصل على مسدس من البداية؟"

وقالت "كان هناك الكثير من القرائن التي لم يتم متابعتها. من وجهة نظري، سُمح للقاتل بممارسة قتل أطفالنا بشكل قانوني لسنوات بفضل رخصة السلاح الممنوحة له".

وتتابع أوتفار: لم يكن الهجوم في هاناو موجها ضد نجلي فقط، بل كان موجها ضد جميع المهاجرين. وأدركت أنه يتعين علينا القيام بشيء، لذا قررت التحدث وفي عيد ميلاده الذي كان يوافق 14 نوفمبر/  تشرين الثاني 2020 أسستُ مبادرة فرحات أونفار التعليمية."

وأضافت "أعرف ماذا يعني التعرض لشكل من أشكال العنصرية خاصة بالنسبة للفتيات. أدرك المخاوف التي تساورهن، إذ إن المدرسة ضدهم رغم أنهن لا يستطعن الدفاع عن أنفسهن." وقالت إنها من خلال "مبادرة فرحات أونفار" تسعى إلى تنبيه السلطات ليس فقط في هاناو وإنما في جميع أنحاء ألمانيا بخطورة ظاهرة العنصرية، مضيفة "أريد أن أكشف أن العنصرية متجذرة في المدارس وفي أماكن العمل". وأشارت إلى أنها وصديقاتها قد تعرضن في السابق لأشكال من العنصرية.

خطورة تجاهل الأمر

بدوره، قال  أوسيفو إن "العنصرية الأيديولوجية التي تقوم على غرار كو كلوكس كلان ليست أكبر مشكلة في مجتمعنا. المشكلة الأساسية هي أن هناك أغلبية في مجتمعنا لا تعاني من العنصرية، لذا فهي تقلل من خطورة الأمر والضرر الذي يمكن أن يؤثره ذلك على الحياة اليومية للعديد من الأشخاص".

قتل نجل سيربيل تيميز أونفار في هجوم هاناو العنصري عام 2020 وأصبحت منذ ذاك الحين ناشطة ضد العنصرية
قتل نجل سيربيل تيميز أونفار في هجوم هاناو العنصري عام 2020 وأصبحت منذ ذاك الحين ناشطة ضد العنصريةصورة من: Sammy Hart

يشار إلى أن "كو كلوكس كلان" تعد واحدة من أشهر المنظمات العنصرية في الولايات المتحدة وتأسست في أعقاب الحرب الأهلية في عام 1865 على فكرة تزعم تفوق العرق الأبيض. وأسس المنظمة ضباط حاربوا في صفوف جيش الجنوب الانفصالي إبان الحرب الأهلية، فيما نفذت عناصرها هجمات وحشية ضد السود وبلغ عدد ضحاياها منذ تأسيسها أكثر من 3450 شخصا.

مشاهير يسردون تجربتهم

ويقول أوسيفو إن الكتاب يحمل تجارب شخصية يسردها أناس عاديون من عرقيات مختلفة وأيضا مشاهير في الموسيقى والرياضة والفن والموضة، فيما يأمل هو ومارتينا رينك أن يحقق الكتاب رواجا كبيرا لتسليط الضوء على خطورة العنصرية.

يخططان إلى التبرع بعائدات بيع كتابهما لدعم مبادرة "الحلم الألماني" التعليمية المستقلة التي تعمل على تعزيز قيم "الديمقراطية والتسامح والتعددية".

وأكد أوسيفو ومارتينا رينك على أن العنصرية تعد مشكلة تضر بالمجتمع بأسره ويتعين على الجميع محاربتها، وقال أوسيفو: "نحن جميعا بحاجة إلى مواجهة العنصرية بفعالية".

بدورها، قالت رينك في بيان صدر بمناسبة نشر الكتاب "لسنا محصنين في حياتنا اليومية ضد مواجهة أفكار انعكاسية وغير واعية والتصرف والتعامل بشكل عنصري حتى لو لم يكن ذلك مدفوعا بنوايا سلبية".

فيليب جيديك /  م. ع/ ص.ش

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد